وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ..

28 جوان 2012

قال تعالى : ♥ ( وأنّ سعيه سوف يُرى ) ♥ النجم
لقد وقفت عند هذه الآية وقفة ..
و انقدح في ذهني وابل من الخواطر تزاحم بعضها مع بعض حتى كدت لا اقوى على ترجمتها باللسان ..
إني أرى مصارع الناس متتابعة .. وهم يُصرعون و تُخطف منهم الأوقات و الأنفاس و هم في ميادين اللغو يثرثرون ..
قد أُعجب كل واحد منهم برأيه و سفًه رأي غيره ..
فاين ذهب سعينا ؟ و اين ذهبت ثرثرتنا ؟
هل سنأتي يوم القيامة بالثرثرة .. – و أن ليس للإنسان إلا ما سعى –
هل كل سعينا مجرد ثرثرة .. – و أن سعيه سوف يُرى –
..
إن العقول الواعية للخير المدركة لمنابعه هي الوحيدة فقط الكفيلة بإخراج الناس من ظلمات الجهل و الثرثرة الى نور العلم و العمل ..
و يقال أن من الحكمة أن تفكر بهدوء و تضرب بقوة , و التفكير الهادئ بعيد عن اللغو الزائد .. و الضرب بقوة بعيد عن الخبط في ظلمة الجهل و الإعجاب ..
حين نكثر من الكلام لا نترك فرصة لأنفسنا لنقوم بمحاولة التطبيق ..
..
اللهم اجعل سعينا عملا مقبولا و مَرضيا و لا تجعله كلاما و هباء منثورا ..
وفقنا الله لما يحبه و يرضاه


خاطرة في الأخــوة ..

28 جوان 2012

خاطرة أخُطٌها على عَجَل ..
قال تعالى : ( إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحمون ) الحجرات .
و قال تعالى : ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ) القصص .
السعى في الاصلاح بين المتباعدين و السعي في تحصيل التقوى من أسباب حصول الرحمة ..
التعالي و التكبر و السعي في تشتيت الناس و نشر الفرقة بينهم من أسباب الاستضعاف و الفساد و النقمة ..
وفقنا الله لما يحبه و يرضاه ..


مشاريع الزواج ..

28 جوان 2012

.. عندما تكون النساء كالعقار و المتاع معروضات للزواج – البيع – كما تُعرض العقارات و غيرها بأثمان متفاوتة في سوق الرقيق الأبيض ..

قال صلى الله عليه و سلم : ” إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ” رواه الترمذي .

لعل غلاء المهور اليوم من أسباب الفتنة و الفساد العريض الذي حذر منه النبي صلى الله عليه و سلم ..
و يأتي الشاب يبتغي العفاف و التحصين و يأتي البيوت من أبوابها و يطرق على أهل الفتاة الأبواب طالبا يد المصونة فإذا به يُقال له ” لقد أعطوني قبلك عشرين ألف درهم ! ”
فلا يكون أمامه إلا أن يرجع القهقرى موجها وجها إلى بيت قد لا يكون أقل سوء من الأول ..

الصداق ليس عوضا عن المرأة أو مقابلا لها .. بل هو كالهدية الوجبة لها و هو أول وسيلة يتقرب به إليها زوجها تطييبا لخاطرها و حفظا لكرامتها و ليس للزوج أن يأخذ منه شيئا إلا ما طابت به نفس الزوجة ..

كيف كانوا مع الصداق ؟

* كان صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وبناته في حدود خمسمائة درهم ..
* قال عمر رضي الله عنه : ” ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئا من نسائه , ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية ”
* و زوًج النبي صلى الله عليه و سلم امرأة لرجل فقير ليس عنده شيء من المال , بما معه من القرآن , بعد أن قال له : ” التمس ولو خاتما من حديد ” ، فلم يجد شيئا ..
* و تزوج عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه امرأة على وزن نواة من ذهب ..
* بل و كانت النساء في زمن النبي صلى الله عليه سلم يتباهين بكون إحداهن تزوجت و أصدقها زوجها ما عنده من القران و تقول ” كان صداقي كلام ربي و لا يفنى و لا يبيد ”

* و قال صلى الله عليه و سلم : ” أن من يمن المرأة , تيسير خطبتها , وتيسير صداقها ” رواه احمد .
* و قال صلى الله عليه و سلم ” إن أعظم النكاح بركة ، أيسره مؤونة ” رواه احمد .
* ن أبي هريرة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني تزوجت امرأة من الأنصار ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” هل نظرت إليها ، فإن في عيون الأنصار شيئاً ؟ قال : قد نظرت إليها ، قال : على كم تزوجتها ؟ ” قال : على أربع أواق ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ” على أربع أواق ؟ ” ، كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل ، ما عندنا ما نعطيك ، ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه ” قال : فبعث بعثاً ، وبعث ذلك الرجل فيهم ” . رواه مسلم .. و في هذا الحديث كراهة إكثار المهر بالنسبة إلى حال الزوج ..
* قال تعالى : ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله و الله واسع عليم )
– قال أبو بكر في الاية : ” أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح , ينجز لكم ما وعدكم من الغنى ”
– وقال ابن مسعود رضي الله عنه : ” التمسوا الغنى في النكاح ” لما قرأ الاية .
* و قال صلى الله عليه و سلم : ” ثلاثة حق على الله عونهم : المتزوج يريد العفاف , والمكاتب يريد الأداء , والغازي في سبيل الله ” ..
و الاحاديث و الايات في هذا الباب كثيرة متوافرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد ..

أما اليوم ..

فيُقال إذا جاءكم من ترضون فيلًته و سيارته فزوجوه من غير النظر لا في دينه و لا في خلقه !!
و حصل للشباب عزوف عن الزواج بسبب غلاء المهور .. و الاسراف في الهدايا أثناء الخطبة .. و كثرة تكاليفها .. و المبالغة في حفلات الزواج ..
بل و أصبحت المباهاة بذلك شغل الكثيرين و الكثيرات ممن فسُدت أخلاقهم و الله المستعان ..
و أصبحت العنوسة تضرب بأطنابها في بلداننا و تقيم عندنا و لا ترحل ..
فلا يكون للشاب المقهور حل سوى الهرب الى البنوك الربوية للإقتراض ..و يكون قد خطا الخطوة الاولى من حياته الزوجية بإعلانه الحرب على الله و رسوله بالربا ..

*******************
لكن يُقال ..

أن الرجل لا يفرط لو كان ذو سعة من المال .. فكما لا ينبغي ان يكون غلاء المهور موضة فكذلك لا ينبغي ان يكون الرجال ممن وسع الله عليهم في الرزق بخلاء منذ الخطوة الاولى في الزواج ..

لكن أعداءنا من اليهود والنصارى يخططون لأن يكون في بلاد المسلمين جيش من النساء بلا رجال حتى تنتشر الرذيلة وتعم الفاحشة بشتى أنواع الطرق والوسائل ليفسدوا علينا ديننا ودنيانا فهل أنتم مستيقظون !


” ذو القرنين و سر النجاح في القيادة ” – الجزء الخامس و الأخير –

28 جوان 2012

بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على نبي الرحمة محمد صلى الله عليه و على آله و سلم .

و بعد فالعَودُ أحمد ..

إلى تتمة ما بدأناه من الحديث عن الصفات القيادية لذي القرنين إنطلاقا من الايات التي ذكره الله فيها من سورة الكهف المباركة ..

قال تعالى : ( فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)) الكهف .

و لعلنا نقف عند هذه الايات مستعينين بالله في تأملها و الكشف عن بعض ما تحتويه من الفوائد و الفرائد التي لها صلة بعنوان المقال , سالكين في ذلك مسلك الإيجاز و الإختصار ..

و إن هذا الجزء الأخير قد إحتوى عبرا و عظات بالغة و معاني راقية , و لنا معه وقفات ..

* الوقفة الأولى : في قوله ( فأعينوني بقوة أجعل بينكم و بينهم ردما ) و في هذه الوقفة إشارات جليلة عظيمة النفع ..

– أولها : في قوله ( فأعينوني ) , فإن ذي القرنين طلب منهم العون و المشاركة في دفع ما يخافون من الظلم و الفساد , و لم يُمل عليهم مخططا للتخلص من يأجوج و مأجوج ثم تركهم في حال سبيلهم , بل شاركهم في البناء , و القائد العظيم الناجح هو من يحمل هذه الفكرة في قلبه ” نحن نعمل مع بعض و لا نعمل عند بعض ”

– ثانيها : في قوله أيضا ( فأعينوني ) و تأمل معي الكلمة أيها القارئ الكريم , فإن ذي القرنين هنا أحس بالخطر الذي يشكله يأجوج و مأجوج على هؤلاء القوم , و وضع نفسه مكانهم فشعر بالحاجة الى العون لإبعاد الخطر , و نذكر في هذا المقام قول النبي صلى الله عليه و سلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) فالقائد هو الذي يستشعر الأخطار المحيطة بأتباعه و يحزن لما يحزنهم و يهوله ما يهولهم و لعلنا ايضا نذكر الحديث الشريف حين قال صلى الله عليه و سلم ( المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى ) و الايات و الاحاديث في هذا المعنى متوافرة لا تُحصى ..

– ثالثها : في قوله : ( بقوة ) و جاء لفظ ” قوة ” هنا نكرة غير مُعرًف , دلالة على إفادته للعموم , فلم يحدد أي نوع من القوة , لأن البناء لا يحتاج الى القوة البدنية فقط و إنما بحتاج الى قوة العقول أولا ثم قوة الابدان ثانيا .. و في هذا المعنى إشارة قيادية و هي ان القائد يختار من رعيته لكل وظيفة من توفرت فيه القوة اللازمة لأداء هذه الوظيفة فليست كل الوظائف تحتاج الى قوة عقلية و ليست كل الوظائف تكفيها القوة البدنبة ..

– رابعها : في قوله ( أجعل بينكم و بينهم ردما ) و في هذه إشارة بليغة , و تتجلي في النظر الى الفرق بين السد و الردم , فأن السد يمكن ان تكون له ابواب و شرفات و يمكن ان يكون مكشوفا , أما الردم فهو غير ذلك فليس مكشوفا بل هو جعل الشيء على الشيء و إحكام إغلاقه , فإن هؤلاء القوم إنما طلبوا منه أن يجعل بينهم و بين يأجوج و مأجوج سدا و اقترح هو ان يجعل بينهم و بينهم ردما لما فيه الزيادة في الأمان و الإحكام , و المؤمن عموما و القائد خصوصا هو الذي إذا عمل عملا أحسنه , قال تعالى ( و أحسنوا إن الله يحب المحسنين ) و قال صلى الله عليه و سلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه )

– خامسها : أنه لما استجاب لطلبهم فإن في ذلك إرضاء لهم , و ليس ذلك إرضاء لهم بالمعصية , بل إرضاء لهم بالطاعة , فالقائد لا يُسخط ربه عليه بإرضاء الاتباع بالمعصية .. و قد قال علي رضي الله عنه في رسالة بعثها الى الاشتر النخعي و كان واليه على مصر ( وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمها في العدل ، وأجمعها لرضى الرعية ، فإنّ سخط العامّة يجحف برضى الخاصّة ، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضى العامّة ) و في هذا الباب نصوص متوافرة متواترة ..

* الوقفة الثانية : في قوله : ( آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )
و في هذه الوقفة كذلك إشارات جميلة ..

– الأولى : و يظهر في هذه الاية بإختصار شديد أن من وظائف القائد ترتيب الأمور و تنظيمها و توزيع المهام و الإعتماد في ذلك على أهل الكفاءة قال علي للأشتر النخعي يوصيه على اختيار و توظيف ذوي الكفاءة : ( ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ، ويعدك الفقر ، ولا جبانا يضعفك عن الأمور ، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور ، فإنّ البخل والجبن والحرص غرائز شتّى يجمعها سوء الظن بالله )

– الثانية : و تأمل معي الى صيغ الامر الثلاثة الواردة في الاية ( آتوني , انفخوا , أتوني ) فلقد تكرر فعل الامر ” آتوني” مرتين و فعل النفخ مرة واحدة , و لعلي أقول على سبيل المثال فقط أن الذي يستطيع أن يأتي و يستخرج الشيء و يعيد استخراجه مرات هو الذي يستطيع ان ينفخ فيه , أما الذي يُكثر من النفخ فاعلم أنه لا يأتيك بشيء ..
الحاصل أن القائد هو الذي يمتلك فن الامر و النهي فلا يأمر إلا بخير و لا ينهى إلا عن الشر ..

– الثالثة : و هي متبطة بالوقفة الاولى و الثانية , و تتجلى في كون القائد ذي القرنين سخر الامكانيات الصناعية المتاحة في زمانه من حديد و قطر و نار للتخلص من الشر , و لعل في هذه التركيبة التي صنعها ذو القرنين الحديد و القطر إلتفاتة تتعلق بالإعجاز العلمي في القران و ليس هذا موضع البسط في هذا الامر لكن نشير إليها إشارة لمن اراد ان يبحث في الموضوع ..

– الرابعة : في قوله تعالى ( فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ) و تدل هذه الاية أن العزيمة القوية و التعاون على العمل و إتقانه و تنظيمه و ترتيبه و المشاركة فيه و الاخلاص لله في ذلك يمكن ان يكون الوسيلة الوحيدة للتخلص من شر المستطير ..
فإن إتمام بناء الردم كان اللحظة الاخيرة الفاصلة بين يأجوج و مأحوج و بين رؤيتهم للنور ..فما استطاع هؤلاء ان يتسلقوا الردم و ما استطاعوا ان ينقبوه .. إلى أن يأذن الله بخروجهم و نعوذ بالله من فتنتهم ..

* الوقفة الثالثة : في قوله تعالى ( قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98))

و فيها إشارات لطيفة ..

أولاها : أن من صفات القائد أنه لا ينسب إنجازاته الى ذكائه و قوته و مهاراته بل ينسب الفضل إلى الله عز و جل قال ذو القرنين ( هذا رحمة من ربي ) و فيها من معاني التواضع و ما أجمل التواضع في القادة , التواضع من غير مهانة ..

– ثانيها : أن من صفات القائد أن يعمل العمل ثم يحسنه و يتقنه و يوكل عاقبته الى الله و لا يتبجح على الناس بقوة ما صنع أو بإتقان ما عمل , فإن ذي القرنين لما انتهي الردم حمد الله و بين ان عمله هذا خاضع لمشيئة الله فقال : ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا )

………………………….

فليتنا نتأمل ما في قَصص القران من العبر و المعاني , و ما في قصة ذي القرنين من الفوائد و العظات ..
..

هذا ما تيسر إعداده و تهيأ إيراده و أعان الله على قوله و الحمد لله رب العالمين
نسأل الله التوفيق و السداد ..


” ذو القرنين و سر النجاح في القيادة ” – الجزء الرابع –

28 جوان 2012

بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله و سلم على سيدنا محمد و صحبه و اله و التابعين ..
فحيى الله إخواني الكرام
و بعد فهذه تتمة المقال الأول مما جادت به القريحة و تأملته من بعض آيات سورة الكهف ..

قال تعالى : ( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ ) سورة الكهف .

و في هذه الآيات وقفات و عبر و عظات نحن أحوج إليها في زماننا و قادتنا أحوج الناس إليها و الذين يتصدون للدعوة و تقدمونها كذلك و الزعماء و الرؤساء و الأكابر من القوم و العلية فيهم ..
و لنشرع بحول الله و فضله في بيان بعض هذه الوقفات القيادية البارزة

* الوقفة الأولى : و لقد تكرر ذكرها في أثناء هذه الآيات أكثر من مرة و وراء كل تكرير حكمة ربانية .. و هذه الوقفة هي :
– الإجتهاد و بذل الأسباب من غير كسل و لا تواكل كما في قوله تعالى ( ثم أتبع سببا ) و لقد تقدم بعض الكلام عن هذا في الاجزاء السابقة من المقال .. و يبقى أن يقال أن البطالة مهلكة للعقل و للجسد و ما أهلك شبابنا عموما قادتنا خصوصا إلا بطالة العقول و عجزهم عن استيعاب الجديد و تمسكهم بكل رديء و قديم .. فتُحكم شعوب تواقة للحرية و للمستقبل بعقول أنهكتها البطالة الفكرية و النمطية القديمة و الله المستعان ..

* الوقفة الثانية : و هي متكررة أيضا لما فيها من عظيم العبرة و الفائدة و هي رحلات ذي القرنين في الارض فإن الله عز وجل لم يكتف بذكر رحلة واحدة بل ذكر له ثلاث رحلات واحدة الى المشرق و واحدة الى المغرب و واحدة أخرى الى ما بين السدين و كلها اماكن مجهولة بالنسبة إلينا فلا علم لنا اين كان ذو القرنين لنعم الى أي جهة من المشرق أو المغرب أو لنعم بين السدين , و الامر لا تتعلق بمعرفته فائدة و في مثل هذا يقال ” جهل لا يضر و علم لا ينفع ” اي لا يضرك ان جهلت مكان رحلة ذي القرنين و لا ينفعك ان علمت كذلك ..
و لقد تقدم كذلك ما في الرحلة من الفائدة , و يبقى ان يقال كذلك ان السفر يهذب النفس و يربيها على الصبر , و يقف بها عند التجارب , و يعلمها ما لم تكن تعلم , و يدفعها الى التأمل في خلق الله , و الى غير ذلك مما ذكرناه من الفوائد .. و القائد الجوال المجرب خير من واحد ادعى القيادة و لم يفارق مسقط رأسه ..

* الوقفة الثالثة : و قبل أن نتأمل فيها قليلا نتأمل في مقدمتها , قال تعالى ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا )
فيظهر من الاية ان ذا القرنين بلغ قوما و صفهم الله بقوله ( لا يكادون يفقهون قولا ) و لها تفاسير , فيمكن ان يكونوا قوما يتحدثون لغة غير التي يتحدث بها ذو القرنين أو يمكن كذلك ان تكون نفس اللغة لكن هؤلاء القوم لا يحسنون الكلام و لا يفقهون كيفية الكلام مع مثل ذي القرنين .. و سنشير الى هذا المعنى في أثناء الكلام ان شاء الله ..
و ما إن وصل إليهم حتى شكوا اليه ظلم يأجوج و مأجوج .. و لو كان ذو القرنين ظالما لما شكوا اليه ظلم ظالم مثله , فكيف يعتقدون انه يدفع عنهم ظلم أحد و ظلمه هو اصلا واقع عليهم !
و في هذا الامر عبرة فالقائد إنما يطلع على رعية ليرفعوا اليه شكاوى الظلمة المعتدين , و لا يصح رفع الشكوى إلا لقائد متنزه عن ظلم الناس و معروف بإنصافهم و نصرتهم و هو الامر الذي ظنه هؤلاء القوم بالقائد ذي القرنين ..
فمن علامات القائد الناجح ان من حوله لا يترددون في رفع مظالمهم إليه و مقترحاتهم إليه و إبداء رأيهم أمامه ..
ثم اقترحوا عليه مبلغا من المال مقابل نصرتهم و دفع كيد يأجوج و مأجوج عنهم , و في هذا الاقتراح يظهر التفسير الثاني لقوله تعالى ( لا يكادون يفقهون قولا ) أي لا يحسنون الكلام , فلقد رأوا ما يملكه ذو القرنين من الملك العريض و من القوة و العدة و العتاد و من التمكين في الارض فاقترحوا عليه ” خرجا ” ليحميهم ! فهذا من قلة فهمهم و فقههم في الكلام ..

* الوقفة الرابعة : في قوله تعالى حكاية عن ذي القرنين ( قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ )

و في هذه الايات وقفات عظيمة و دلائل على القيادة الرشيدة :

– أولها : أن ذا القرنين أنصت و أجاب هؤلاء القوم رغم كونهم لا فقهون قولا , إما لا يحسنون الكلام و إما لا يتكلمون بلغة مشتركة , و هذا من التمكين الذي وهبه الله لذي القرنين , قال تعالى : ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا ) و الذي يدل عليه هذا التمكين مجموعة من الامور :
* ان القائد لابد ان يكون له من رصيد معرفي كبير فيما يشتغل به من أمر القيادة ..
* و أن القائد له مخزون معرفي واسع بثقافات و لغات أتباعه فلا يجد صعوبة في التواصل معهم ..
* و ان القائد هو الذي يملك رؤية واضحة لأهدافه و يجد الجواب لكل مسألة تطرح عليه بخصوص أهدافه ..
* و أن القائد الناجح هو الذي يتحمل نتائج قراراته ..
* و أن القائد الناجح هو الذي ينصت لرعيته و يكون قدر أنصاته أكثر من قدر كلامه فلا تغلب عيه الثرثرة و هي التي تذهب بالهيبة و الإحترام ..

– ثانيها : أن ذا القرنين رفض أن يأخذ منهم ما اقترحوا عليه من المال مقابل أن يجعل بينهم و بين يأجوج و مأجوج سدا ..
يا ألله يا ألله .. ما احوج القادة الى هذه .. ما اجمل و ما أحسن صنيعك يا ذا القرنين , الله المستعان ..
فإن القائد الناجح لا يستغل حاجة إخوانه ليستفزهم و يمتص ما لديهم من الارزاق , بل إنه يتعفف عن أموال الرعية و لقد قال سيد الخلق ( من استعف أعفه الله، ومن استغنى أغناه الله )
و لقد ذكر الماوردي جملة من الامور التي يجب ان يكون عليها كل من يتولى قيادة قوم فقال ” الأمانة حتى لا يخون , و قلة الطمع حتى لا يرتشي , و أن يسلم فيما بينه و بين الناس من عداوة و شحناء .. ذكيا فطنا صادق المهجة .. ”
و للإشارة ليتنا نعود إلى ما كتبه هؤلاء الأسلاف عن هذه الاداب و نطالع تلك الكتب و هذه مناسبة لشحذ الهمم و إطلاق الأعنة لندمن النظر في ذلك الموروث الضخم من المعارف الذي ستتلاشى إن لم ينهض بها شباب هذه الأمة ..

ثالثها : أنه لما رفض ” أجرتهم ” لم يتبجح عليهم بسلطانه , و لم يتكبر عليهم بملكه , و إنما قال ( ما مكني فيه ربي خير ) فنسب ملكه و قوته و حوله و سلطانه الى الله عز و جل و اعترف له بالفضل و المنة و في هذا اعظم الشكر لله و فيه كذلك تربية للرعية على اضافة النعم لله و شكرها و عدم إضافتها الى النفس و جحدها ..قال تعالى ( و رزق ربك خير و أبقى )
و في الاية دلالة على التواضع ( ما مكني فيه ربي خير ) .. و من تواضع لله رفعه كما دائما نردد و نقول ..
و العجب و الكبر من مزالق القيادة و الكبر أول ذنب عُصي الله به, و وجوده مع العجب في رجل دليل على عدم صلاحيته لتولي المسؤولية ..
و لقد ذكرني هذا الموقف بقصة نبي الله سليمان- عليه و على نبينا افضل الصلاة و السلم – لما أن ارسل رسالته المشهورة الى بلقيس يقول فيها كما ذكر الله في سورة النمل ( إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم , ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ) فلما تشاورا بينهم و حكى الله ردهم فقال تعالى حكاية عنهم : ( وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون فلما جاء سليمان قال أتمدونني بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون ) ..
و هذا من الإستقامة و هي العنوان البارز للقائد الناجح , و أعظم الكرامة لزوم الإستقامة كما قيل ..
و في هذا الموقف الضخم النبيل الذي قام به ذو القرنين تربية لجيل آخر من قادة المستقبل عبر القدوة المتمثلة الذي يراها الناس رأي العين و التي ليس فيها مخالفة القول للفعل ..

و مرةأخرى أوصي نفسي و إخواني بتأمل هذه الايات تأملا دقيقا مع إفراغ الذهن من كل المشاغل حتى تتحقق لنا الفائدة منها و حتى يظهر لنا النور من خلالها ..

و للمقال تتمة إن شاء الله تعالى و وفقنا الله لما يحبه و يرضاه ..


” ذو القرنين و سر النجاح في القيادة ” – الجزء الثالث –

28 جوان 2012

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله و سلم على سيدنا محمد
فعودا على ذي بدء و إتماما للقول فيما بدأناه من الحديث عن بعض ما تضمنته قصة ذي القرنين من فرائد الفوائد و من عظيم النفع و بالغ الأثر في النفوس ..

فأقول و بالله التوفيق : إن كمال الإنسان بهمة تُرقِّيه، وعلم يبصِّره ويهديه ,و لقد إجتمعت هذه الأمور بجملتها في الملك الصالح ذي القرنين , فمن إقتدي إهتدى ..

و لنَعرض لما في بقية الآيات لما يمكن إيراده من الفوائد التي لها صلة بالموضوع :
قال تعالى : ( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ) الكهف .

و في هذه الآيات طائفة من العبر نذكر منها ما انقدح في الذهن من غير الغوص فيما فيها من الإشارات اللغوية ..

* أولها : في قوله تعالى ( ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا ) و لقد تكررت هذه العبارة في سياق هذه هذه الايات مرتين , و كل واحدة منهما توحي الى معنى خاص , فأما الأولى – و استحضر معي سياق الايات أيها القارئ الكريم – فالعلم بالشيء والطريق الموصل إليه . وهذا يعني أن الله جل شأنه لم يكلفه بشيء دون أن يعلمه الطريقة التي يسلكها إليه , بل أمدّه بأسباب النجاح في القيادة .
و أما الثانية فتعني سلوك هذا الطريق واستعماله , و كل من عرف الطريق الصحيح فسلكه إلا وصل إلى مبتغاه , وإلا ضل وتاه , وهل رأيت عاقلا يعرف السبيل فيحيد عنه إلى غيره !
و الحاصل من ذلك كله أن التمكن من زمام القيادة يعني التمكن من زمام الأسباب و الأخذ بها و تسخيرها في ما يرضي رب الأسباب و خالقها و التوكل عليه حق التوكل الذي لا يصح إلا باتباع الأسباب , و ترك التواكل على الخلق جملة .. – و لقد تقدم بعض الكلام على هذا الامر في الجزء الاول من هذا المقال عند قوله تعالى ( فاتبع سببا )

* ثانيها : في قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا )
و في هذه الآية تأكيد لما سبق ذكره من أن القائد ذو القرنين كان طوافا في الأرض له رحلات في شرقها و غربها و بالتأكيد لم تكن رحلاته فيها رحلات سياحة و استجمام و تنزه بل كانت رحلات إصلاح و دعوة و إرشاد , رحلات لها مقاصد .. – و ليست من قبيل الحركية العبثية التي يعاني منها قادتنا اليوم و التي يعاني منها المجتمع بشكل عام إلا من رحم الله – و الدال على هذا الامر قول الله تعالى في تتمة الايات : ( كذلك و قد أحطنا بما لديه خبرا ) و لو تأملت يا أخي و أختي الكريمة كلمة ” كذلك ” لوجدتها تعود على ما تقدم من الايات , فإن الله عز وجل قال: ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ) أي أن ذو القرنين كما تصرف مع القوم الأولين فكذلك كان تصرفه مع القوم التالين في الرحلة الثانية , و لو قرأت الايات الان لاتضح لك معناها جيدا ..

بمعنى أن أسلوب ذي القرنين لا يتغير في سياسة الرعية من قوم الى قوم فلا يكيل بمكيالين , فكما انه يعاقب الظالمين من هؤلاء فإنه يعاقبهم من هؤلاء أيضا من غير تميز بينهم الى مواطنين من الدرجة الاولى و مواطنين من الدرجة الثانية إلخ .. و كما انه يجازي المحسنين من هؤلاء فإنه يجازيهم من هؤلاء أيضا عدلا بينهم و من غير تمييز بين الأقاليم هذا إقليم نافع و هذا غير نافع , و العدل أساس الملك , فمن أهم مميزات القيادة الجيدة ترسيخ العدل لقوله جل و علا : ( إنَ اللهَ يأمركُم أن تؤدوا الاماناتِ إلى أهلهَا وإذا حكمتُم بينَ الناسِ أن تحكُمُوا بالعدلِ) سورة النساء

و في الاية كذلك معنى جميل تقتضيه الجولة في الارض و الرحلة فيها و هو الإتصال بالرعية و عدم إطالة الغيبة عنهم و الإحتجاب عنهم , و في رسالة علي رضي الله عنه الى الأشتر النخي لما ولاه على مصر أن قال له :
” لا تطولن احتجابك عن رعيتك فإن احتجابَ الولاة عن الرعية شعبة من الضيق, وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم يقطع عنهم علمَ ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير, ويعظُم الصغير، ويَقبح الحسن, ويَحسن القبيح، ويشابه الحق بالباطل ” – و بالمناسبة رسالة علي رضي الله عنه الى الأشتر النخعي رسالة غاية في الحكمة سأنشرها بمفردها إن شاء الله –

و أيضا كيف للقائد أن يحظى بالولاء إن لم تكن له جولة في رعيته و لم يكن له بهم إتصال و لو بطريقة غير مباشرة و لنضرب لذلك مثالا بسيطا , عند اتساع رقعة الدولة الأموية بشكل اصبح معه اتصال الخليفة مع رعيته امرا في غاية الصعوبة مما اضطرهم الى تفويض السلطات و اعتماد اللامركزية في القيادة لكن بعد التثبت من شرط الامانة و المقدرة في كل من ستولى المناصب الإدارية و القيادية ..

ثم قال تعالى : ( وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا ) , أي ما عنده من عظمة الملك من جند وقوة وثروة , و تأمل معي كذلك كلمة ” خُبرا ” بضم الخاء و سكون الباء , فهو كناية عن كون المعلوم عظيما بحيث لا يحيط به علما إلا علام الغيوب ..

– و يحصل لدينا مما في هذه الايات من بعض العبر المتصلة بالنجاح في القيادة ما يلي :
* الأخذ بالأسباب و لا شيء غير الأسباب و الإصرار عليها
* الإتصال بالرعية
* الحرص على نيل الولاء من الرعية عبر الإتصال الإيجابي بهم و ليس عبر نزع الولاء منهم بالقوة
* الحكم في الناس بالعدل و عدم التمييز بينهم و ترك الكيل بالمكاييل المختلفة

و للمقال تتمة بإذن الله و الله الموفق و المعين على الصواب
– يتبع –


” ذو القرنين و سر النجاح في القيادة ” – الجزء الثاني –

28 جوان 2012

 


بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله و سلم على نبينا محمد .

فعودا على بدء نقول و بالله التوفيق : أن ذا القرنين ذلك الملك الصالح إنما استحق أن يذكره الله في كتابه بجملة من الأوصاف الحميدة و الخلال المجيدة لما كان عليه من حسن القيادة بفضل الله أولا و بفضل تمكنه من قلوب أتباعه و رعيه في الارض و تمكنه من خيرات الارض و تسخير هذه الأسباب كلها للدعوة الى الله و بفضل ما سنذكره من الخصال تباعا إن شاء الله ..
قال القاسمي رحمه الله : ” ومن فوائد نبأ ذي القرنين : تنشيط الهمم لرفع العوائق،وأنه ما تيسرت الأسباب، فلا ينبغي أن يُعد ركوب البحر ولا اجتياز القفر، عذرا في الخمول والرضا بالدون، بل ينبغي أن ينشط ويمثل في مرارته حلاوةَ عقباه من الراحة والهناء، كما قضى الاسكندر عمره ولم يذق إلا حلاوة الظفر ولذة الانتصار، إذ لم يكن من الذين تُقعدهم المصاعب عن نيل مايبتغون ”

قال تعالى : ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًاوَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ) الكهف .
و متابعة لما بدأناه من استنباط أسرار القيادة عند ذي القرنين , فإن في هذه الآية ما يدل على الامر دلالة واضحة و منها :

الدلالة الأولى :

** السفر في الأرض سفر الإعتبار و الموعظة و الدعوة : فليس من صفات القائد ملازمة مكان واحد , بل لا يُعد الإنسان مجربا حتى يضرب في الارض و يسافر فيها و يحقق فيها الانتشار الرباني الذي اشار الله اليه في سورة الجمعة , قال تعالى ( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) فانظر الى كلمة “الإنتشار” في الاية و إلى ما تحمله من الدلالة العميقة , فلا يتحقق فضل الله إلا بالإنتشار في الأرض و ليس أي نوع من الإنتشار بل الإنتشار الذي يصاحبه ذكر الله على الدوام , و لا ريب أن ذا القرنين كان من أهل هذا الانتشار المبارك فكان كل طواف له في مملكته لتمكين الناس من دين الله و حملهم على الطاعة كما سوف يظهر لنا بإذن الله ..
و قال عز و جل ( و من يهاجر في الأرض يجد مراغما كثيرا و سعة ) أي سعة في الرزق و سعة في الأرض و المراغم الذهاب في الارض كما فسره الإمام ملك رحمه الله .
بل إن الله عز وجل ذم الكفار بقوله ( أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) سورة غافر .
و أمر الله عز و جل بالسير في الأرض فقال : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين ) سورة الروم
و كيف يكون القائد مطلعا على احوال الرعية إن لم تكن له فيهم جولة يطمئن بنفسه على أحوالهم و ينظر بنفسه في أمرهم و يشاركهم همومهم و أفراحهم و لنا في عمر بن الخطاب رضي الله عنه عبرة لمن اعتبر و أحواله في هذا الامر مشهورة معلومة ..

الدلالة الثانية :

** في قول ذي القرنين : ( قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا )
هذا عملا بقاعدة ” الجزاء من جنس العمل ” فإن من وظائق القائد المعاقبة لكل من سولت له نفسه الظلم و الخروج عن طاعة الله , و لا يجوز له بحال ترك هذه الوظيفة إدعاء للرحمة و الشفقة على الرعية , فإن الجريمة مستوجبة للعقاب و للحدود و لا شفاعة في الحدود ..
قال تعالى ( و لكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) سورة البقرة
و النفس البشرية بطبعها نزًاعة الى الشر و لا يردعها منه إلا خوف العقاب لذلك قيل ” إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران ” , و انزل الله الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و من منافعه تقويم كل من ابى أن يستقيم بالقران ..
و إذا لم يوجد من يحمل الناس على الخير و يعاقبهم على فعل المنكرات فسدت دنياهم و و ذهب دينهم , يقول ابن تيمية: (فالمقصود الواجب بالولايات: إصلاح دين الخلق الذي متى فاتهم خسروا خسران مبينا، ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا , وإصلاح ما لا يقوم الدين إلا به من أمر دنياهم ).
و لا شك ان العقاب من فنون القيادة فالعقاب يُقدًر بقدره من غير إفراط و لا تفريط , و القائد هو من يمتلك هذا الفن إضافة الى فن التأنيب و فن إصدار الأوامر و فن معالجة التذمرات ..

و في الاية دلالة اخرى و هي وجوب التذكير بالعذاب الاخروي ( ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرً )
فكل قائد ناجح إلا و يجمع بين الاخذ بالمظالم في الدنيا و تذكير الناس بمغبة الظلم في الاخرة من غير محاباة للأقربين منه أو اسقاط الحدود و العقاب عنهم لانهم ذوو المكانة و من غير ان يستثني نفسه من المحاسبة و من العقاب ان صدر عنه ما يستوجبه به العقوبة
قال صلى الله عليه و سلم : ( و الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها )
فلا محابات و لا تميز بين الرعية , و من وصايا علي للأشتر النخعي لما ولاه على مصر ان قال له : ” أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصّة أهلك, ومن لك فيه هوى من رعيتك, فإنك إلّا تفعل تظلم ”

الدلالة الثالثة :

** في قوله : ( وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا )
و فيها معنى المكافأة , فإن الناس لا تستقيم بالعقاب لوحده , لذلك الله عز وجل جمع في كتابه بين آيات الترغيب و ايات الترهيب , و أحاديث الرسول صلى الله عليه و سلم على هذا الشكل فأحيانا يرغب أصحابه في الطاعة بما اعد الله لهم من حسن الجزاء و احيانا يرهبهم من المعصية بما اعد الله للعصاة من العذاب الاليم ..
و ذو القرنين جمع في هذا المقام بين الامرين بين فن المعاقبة و بين فن المكافأة و التشجيع
قال تعالى ( و قولوا للناس حسنا ) البقرة
و قال تعالى : ( وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن ان الشيطان ينزغ بينهم ) الإسراء
و من كلام علي رضي الله عنه في رسالته الى الأشتر النخعي ” ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى , ولا تضمن بلاء امرئ إلى غيره ، ولا تقصرن به دون غاية بلائه , ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظــم من بلائه ما كان صغيرا , ولا ضعة امرئ إلى أن تستصغر من بلائه ما كان عظيما ”
و في وصيته له ايضا ان قال : ” ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء , فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان , وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة ”
و من أقوال علي أيضا رضي الله عنه ” إزجر المسيء بثواب المحسن ”

و يحصل لدينا في الاخير من الاستنتاجات و من اسرار القيادة الناجحة في هذه الاية ما يلي :
* الحركية و الانتشار في الارض و عدم الجمود في مكان واحد ..
* إمتلاك أدوات و فنون المعاقبة و عدم المحابات في تطبيق القانون ..
* تذكير الناس بالعذاب الأخروي الذي اعده الله للعصاة من عباده ..
* الحرص على الموازنة بين منهجي الترغيب و الترهيب ..
* الحرص على ان يكون القائد قدوة للناس يصدق فعله كلامه حتى يسهل عليهم الإقتداء به ..
* التحفيز و التشجيع و المكافأة للمحسنين حثا لهم على الزيادة في الاحسان و تقديرا لمواهبهم و جعلهم محط انظار غيرهم للإقتداء بهم ..

و لست أدعي اني قد احطت بما في هذه الايات من العبر , فمن خطر بباله واحدة منها فلا يبخلن بها علينا , بخصوص هذه الاية الكريمة ..

و للكلام إن شاء الله تتمة و الله و الموفق و المعين على الخير ..

– يتبع –


“ذو القرنين و سر النجاح في القيادة ” – الجزء الأول –

28 جوان 2012

قال تعالى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَ

وْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90) كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91) ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)) سورة الكهف .

و ليس الغرض من هذا المقال التعرف على تفاصيل و جزئيات

 حياة ذي القرنين فلا يهمنا لا نسبه و لا في أي زمان عاش و لا اين كان و لا لماذا سمي بذي القرنين ..

المهم أن ذو القرنين ملك ملك الدنيا في زمانه و ليس نبيا و هذا اشهر أقوال اهل العلم فيه ..
و قد قيل أن الدنيا ملكها اربعة , إثنان من المومنين و إثنان من الكافرين , فأما اللذان من المومنين فسليمان و ذو القرنين و أما اللذان من الكفار فبختنصر و النمرود ..

و في هذه الأيات التي بين أيدينا عبرة لكل معتبر و موعظة

لكل متعظ فإن الله يقص القصص الحق و يوحي الى نبيه صلى الله عليه و سلم بأحسن القصص

فما الذي تضمنته هذه الآيات من بعض الأسرار التي لها صله بموضوع القيادة عند ذي القرنين ؟
و لعليَ إن شاء الله في هذا المقال المتواضع أعلق على كل آية على حدة بما خطر في البال من اللطائف التي تتعلق بجوهر الموضوع ..
قال تعالى : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ) و كما ذكر أهل التفسير أن اليهود من وراء هذا السؤال .. فإن ذا القرنين كان مذكور عندهم في كتبهم و معروفا لديهم برحلاته في الأرض , فأرسلوا من يسأل عنه النبي صلى الله عليه و سلم من أهل مكة , و لأن السؤال عنه أمر عظيم تتعلق به المنفعة و الفائدة الدينية و الدنيوية فإن الله عز و جل سيوحي الى نبيه من أمر ذي القرنين ذكرا .. و عند التأمل في الاية فإن الله لم يذكر من صفات هذا الرجال سوى أنه ” ذو القرنين ” لان لفظ القران وجيز و لا يدخل بك في متهات التفاصيل التي لا طائل من ورائها .. و كذلك قال تعالى ” منه ذكرا ” و من في اللغة العربية تفيد التبعيض أي بعضا من أخباره .. و لم يعبر القران بقول ( منه أخبارا ) بل قال ” ذكرا ” من الذكرى و التذكرة اي ما يتذكر العباد به ربهم و عظمة خلقه فيهم ..


و في الاية لطائف أخرى كثيرة لكن الموضوع لا يتعلق بها ..

قال تعالى : ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) ) :
و في هذه الآية تظهر الأسرار الأولى من أسرار القيادة الناجحة عند ذي القرنين .. السر الأول و هو :

* التمكين في الأرض : و لقد أضاف الله هذا التمكين الى نفسه فقال ( إنا مكنا له ) , فلا يقع شيء من التمكين لاحد في الأرض إلا بأمر الله و علمه و قدرته , و لنا أن نقول في هذا التمكين خاطرة جميلة , و هي ان القائد الناجح لا يبحت عن التمكين في الأرض بمعنى التمكن من خيراتها المادية و السيطرة عليها و الإستفراد بها و منع الناس منها و استفزازهم بها , إنما التمكين الحقيقي هو التمكن من قلوب الخلق و تملكها و السيطرة عليها , و لننظر الى قصة يوسف عليه السلام حين قال تعالى على لسان العزيز ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) فإن يوسف أسر قلب العزيز بما زرع الله على وجهه من نور النبوة فأمر إمرأته ان تكرم مثواه , و تفرس فيه فراسة حسنة وهي أنه سيتفعهم – بصيغة الجمع – ..
و تكرر هذا التميكن في نفس السورة حين قال تعالى ( ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ) فالتمكين الأول ليوسف تمكين بعد أن قاسا من ظلم إخوته و صبر على ذلك فمكن الله له في قلوب خلقه .. و التمكين الثاني له بعد أن قاسا من السجن سنين فضلها على الإنسياق وراء شهوته ..
فسرٌ التمكين إذا هو التمكن أولا من القلوب بالرحمة و اللين و الخلق الحسن و بالرفق , قال صلى الله عليه و سلم ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه و ما نزع من شيء إلا شانه )
و لقد ظهر لي هذا المعنى أيضا في سيرة إحدى النساء اللواتي خلد القران ذكرهن , قال تعالى على لسان الهدهد : ( إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم ) سورة النمل .
فانظر الى قول الهدهد ” إمرأة تملكهم ” و لم يقل ” تحكمهم ” .. فإن هذه المرأة ملكتهم أي ملكت قلوبهم – فأطاعوا أمرها – بما نشرت فيهم من مبادئ الديموقراطية مما ذُكر في تتمة السورة من مبادئ الشورى ..
و إن النبي صلى الله عليه و سلم لم يتمكن من قلوب أصحابه إلا باللين و الرأفة و الرحمة و الحرص عليهم قال تعالى ( فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ..
و كما أسلفت فإن التمكن من قلوب الخلائق لا يكون إلا بالحب و الرحمة و كما ورد في رسالة علي رضي الله عنه الى الأشتر النخعي عندما ولاه على مصر أن قال له ” وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سبعا” ضاربا” تفتنم أكلهم ، فأنهم صنفان :أما أخ لك في الدين ، واما نظير لك في الخلق ، يفرط – يسبق – منهم الذلل ، وتعرض لهم العلل ، ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ ، فأعطهم من عفوك وصفحك ، مثل الذي تحب وترضى إن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فانك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك ، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم ” ..

قال تعالى : ( و آتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا ) : و في نفس الاية سر آخر من أسرار القيادة الناجحة و هو :
* تسخير كل الأسباب التي آتاك الله من أجل إقامة شرعته و نصرة دينه , فإن ذا القرنين آتاه الله من أسباب الملك و التمكين ما الله به عليم .. لكنه لم يقل كما قال قارون ( إنما أوتيته على علم عندي ) بل إنه أتبع سببا أي سخر هذه الاسباب للدعوة إلى الله , قال الله تعالى في آية أخرى ( قل إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) فالقائد المقبول عند الله المرضي عند خلقه هو الذي يهب نفسه كلها لله فصلاته لله و ذبحه – نسكه – و حياته و مماته لله ..
فما أحوجنا الى الإعتبار بهذه المعاني ففيها العبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد ..
و ما أحوجنا الى قادة يكون همهم التمكن من قلوب الرعية بالحب و الرأفة و الحرص على المصلحة و ليس التمكن من خيرات البلاد و استفزاز الناس بها و منعهم منها و تضيعها في السفاسف حينا و تسليمها للعدو بأبخس الأثمان حينا آخر ..
ما أحوجنا الى قادة و زعماء همهم التمكن من تسخير الاسباب لإعلاء كلمة التوحيد و توحيد الكلمة و ليس همهم التمكن من الكراسي و المناصب الزائلة ..
ما أحوجنا نحن الشباب و المتصدرين للدعوة الى الخير خاصة الى الحرص على التمكن من قلوب الناس و استمالتها الى الخير عوض تنفيرها منه و تقريبها الى الشر ..

** و لنا إن شاء الله موعد آخر مع تتمة المقال ..
أسألكم الدعاء و بارك الله فيكم .


لسنا بعدُ أمة ناضجة !

9 جوان 2012

 

 

فكر ..

إننا لسنا بعد أمة ناضجة بما يكفي لنستطيع تحمل القدر الأكبر من الكرامة !
إننا نظن أن الكرامة و الحرية و العيش الرغيد و العزة أمور تشريفية , و نخطئ في الظن .
و ننسى أنً الكرامة للكرام و الحرية للأحرار و العزة للأباة و الشرف للشرفاء .
إنها المسؤولية و ليس التشريف .

الشعب الذي تسليه النكتة الرخيصة , و يفتح فاه ملأ الباب ليضحك على تمثيلية هزيلة , و يسجد عند أقدام الراقصات تحت المنصات , و تغريه تمثيليات الحب و الغرام , و لا يميز بين العبادة لله و التوقير للبشر , و لا يطلب حقا ضائعا و لا يحرص على واجب حاضر .. فكيف لهذا الشعب أن يتحمل الكرامة و هي أثقل من الجبال الرواسي !

إسمع الى كلام الذين كانوا يحرسون الكرامة و العدالة بأسنة السيوف , قال خالد بن الوليد : ( لقد شغلني الجهاد في سبيل الله عن كثير من قراءة القرآن )

ما الذي شغلنا نحن عنه اليوم ؟ الجدال العقيم , الأفلام الساقطة , التمثيليات الماجنة , الفيديو كليب , الغيبة و النميمة , مجالس السوء , دور القمار و الفجور , المبارايات , منصات الغناء …

كيف لأمة تشغلها هذه الامور كلها و غيرها أن تكون كريمة ..
و لنسمع أخيرا لهذه :
قال تعالى : ( ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى ) سورة طه .

 


صناعة الطغاة !

9 جوان 2012

 

” يُذبح أبناءهم و يستحيي نساءهم ”

هذه نتيجة العلو في الأرض , و لا يتوقع العاقلُ غيرها ..
( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ) القصص .

لكن نحن من صنعنا منهم فراعنة و طواغيت و مستبدين , فقد بالغنا في تقديسهم و بالغنا في طاعتهم , و صبرنا على منكراتهم , و حمدناهم لما جلدوا ظهورنا , و أمددناهم بالسيوف فقتلونا و ذبَحوا أطفالنا ..

قال تعالى : ( فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين ) الزخرف
نعم لقد استخفونا و استجهلونا فأطعناهم لخفة أحلامنا و قلة عقولنا , لان الكثير منا قوم خارجون عن طاعة الله .

قال تعالى : ( و لا يستخفنك الذين لا يعقلون ) الروم .
و قال تعالى : ( لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا ) سورة الاسراء .